أكبر معرض في العالم يسطع في الصين بـ 55 مليارا و100 مليون زائر
شنغهاي هذه الأيام ليست مجرد مدينة لا تنام على الإطلاق، بل هي مدينة تزرع مشاهد طبيعية كاملة في الظلام.
في إحدى الأمسيات حديثاً في الضاحية الفرنسية القديمة المشهورة في شنغهاي، كانت القلابات والحفارات تعمل بشكل محموم لإنهاء محطة قطار نفقي (مترو). وفي اليوم التالي، لم يكن هناك مجرد خط مترو جديد يعمل بالكامل فحسب، بل شارع مملوء بأشجار الظل النامية، مزروعة على جانب الطريق الفسيفسائي الذي أنجز حديثاً.
يقول وو زهيكيانغ، أستاذ التخطيط المدني في جامعة تونغجي: «أنجزت شنغهاي في غضون 15 عاماً ما قامت لندن بإنجازه خلال 150 عاماً». وقد بدأ نظام المترو في عام 1995، وتضاعف امتداده في العاصمة التجارية للصين إلى 420 كيلومترا في العام الماضي فقط. ثمة سبب لهذا الاستعجال، وهو توقع وصول نحو 100 مليون زائر، إذ إن شنغهاي تستضيف حالياً أكبر معرض عالمي «ورلد إكسبو» World Expo في التاريخ، تقدر التكلفة بنحو 55 مليار دولار (36 مليار جنيه استرليني، 42 مليار يورو) – أكثر من ضعفي التكلفة التي أنفقتها بكين على الألعاب الأولمبية. لكن إذا كان آباء مدينة شنغهاي محقين، فسوف يكون لذلك تأثير في شنغهاي والصين معاً (ناهيك عن ذكر مستقبل نموذج المعارض) إلى عقود مقبلة.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
شنغهاي هذه الأيام ليست مجرد مدينة لا تنام على الإطلاق– بل مدينة تزرع مشاهد طبيعية كاملة في الظلام.
في إحدى الأمسيات حديثاً في الضاحية الفرنسية القديمة المشهورة في شنغهاي، كانت القلابات والحفارات تعمل بشكل محموم لإنهاء محطة قطار نفقي (مترو). وفي اليوم التالي، لم يكن هناك مجرد خط مترو جديد يعمل بالكامل فحسب، بل شارع مملوء بأشجار الظل النامية، مزروعة على جانب الطريق الفسيفسائي الذي أنجز حديثاً.
يقول وو زهيكيانغ، أستاذ التخطيط المدني في جامعة تونغجي: ''أنجزت شنغهاي في غضون 15 عاماً ما قامت لندن بإنجازه خلال 150 عاماً''. وقد بدأ نظام المترو في عام 1995، وتضاعف امتداده في العاصمة التجارية للصين إلى 420 كم في العام الماضي فقط.
ثمة سبب لهذا الاستعجال: وصول متوقع لنحو مائة مليون زائر، إذ إن شنغهاي تستضيف حالياً أكبر معرض عالمي ''ورلد إكسبو'' World Expo في التاريخ. وهذا هو الإجراء الثاني في إعادة تصنيف الصين الذي بدأ بالألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، واكتسب جوهراً حين برزت الصين من الأزمة المالية العالمية غير متضررة فعلياً. وأما معرض شنغهاي (شنغهاي إكسبو Shanghai Expo) الذي يعتبر الأستاذ وو، مخططه الرئيس، الذي افتتح الأسبوع الماضي ويستمر حتى 31 تشرين الثاني (أكتوبر).
تقدر التكلفة بنحو 55 مليار دولار (36 مليار جنيه استرليني، 42 مليار يورو) – أكثر من ضعفي التكلفة التي أنفقتها بكين على الألعاب الأولمبية. ولكن إذا كان آباء مدينة شنغهاي محقين، فسوف يكون لذلك تأثير في شنغهاي والصين معاً (ناهيك عن ذكر مستقبل نموذج المعارض) إلى عقود مقبلة.
يطلق كيفين والي، رئيس شركة جنرال موتورز في الصين، إحدى أكبر الشركات الداعمة لمعرض شنغهاي، على ذلك عبارة ''الألعاب الأولمبية التقنية''. ولكن مجرد فكرة تبذير الكثير للغاية على ما اعتاد وصفه بالمعارض العالمية ''ورلدز فيرز'' World’s Fairs ، لم تكن فكرة محبذة عالمياً منذ عقود. ومن برج إيفل في باريس، إلى نظام الطريق السريع الضخم الأمريكي، إلى حبات الذرة المغلفة بالكراميل، فإن المعارض قدمت إلى الغرب بعض ابتكاراته التي لا تنسى على الإطلاق.ولكن عديدا من المعارض الشهيرة فعلياً حدث في القرن التاسع عشر – بما فيها معرض لندن في عام 1851، بقصره البلوري ''كريستال بالاس'' Crystal Palace.
الأمر المذهل هو أن أصول معرض شنغهاي تعود إلى ذلك التاريخ تقريباً، وفقاً لتو كيو من أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية: بدأ أصحاب النفوذ من مواطني شنغهاي بالدفع لأول مرة نحو إقامة المعرض في السنوات الأولى من القرن الماضي، حين كانت شنغهاي تعرف في ذلك الوقت باسم باريس الشرق.
منذ ذلك الحين، ازدادت حظوظ شنغهاي، وتراجعت، ولكنها تبقى إلى حد كبير ثاني مدن الصين: على سبيل المثال، بكين هي التي تنظم أسواق البورصة فيها. ويهدف المعرض، مثل أي شيء آخر، إلى الترويج لصورة شنغهاي داخل الصين: من المتوقع أن يكون 5 في المائة فقط من زوار المعرض من الخارج.
من أجل الاستعداد لاستقبالهم، تمت إعادة تعبيد جميع الشوارع فعلياً، وتمت إعادة طلاء الجدران التي تواجه الشوارع، وتم حفر مجارٍ جديدة. وبشكل حتمي، كانت بعض الأعمال رديئة: عاد العمال في غضون أيام قليلة لإعادة تجهيز الطريق بالقرب من محطة مترو الضاحية الفرنسية.
يقول تو الذي عينته حكومة شنغهاي لإجراء دراسة حول المعرض: ''إن الأمر الوحيد الذي يهمنا في الصين هو الوجه: حتى أننا سوف نبذر الأموال لتجميل المدينة، وحتى لو لم تكن هناك حاجة لإعادة تمهيد الطريق، فإننا على الرغم من ذلك ننجز الأمر''. ويعترف بألا يعرف أحد فعلياً كم أنفقت المدينة على ذلك، حيث إن كل حكومة محلية تقوم بالإنفاق بدون تنسيق: تراوح الأرقام الرسمية بين 300 مليار رينمينبي إلى 400 مليار رينمينبي (44 مليار دولار، 33 مليار يورو، 29 مليار جنيه استرليني)، ولكن جونز لانج لاسال، شركة خدمات العقارات، تقدر أن استثمارات البنى التحتية التي تم إنجازها أو شراؤها للمعرض تصل تكلفتها الإجمالية إلى 95 مليار دولار.
أما موقع المعرض في حد ذاته، فتبلغ مساحته 5.3 كيلومتر مربع، ويقع على ضفاف نهر هوانغبو – وتم تزيينه بأكثر من 200 جناح وطني، وأجنحة خاصة بالشركات والبلديات مملوءة برؤى حول المستقبل، حيث الحياة المعيشية في المدينة سوف تكون نظيفة، وخضراء، وتتميز بالتقنية العبقرية. ومثل برج اللؤلؤ الشرقي ''أورينتال بيرل تاور'' Oriental Pearl Tower الذي كان يجسد كل ما هو مستقبلي في شنغهاي خلال تسعينيات القرن الماضي، فإن المقصود من شكل الصحن الطائر للمركز الذي يقام فيه المعرض هو أن يزين البطاقات البريدية، وصفحات الإنترنت على أنه الوجه الجديد لشنغهاي.
يصادق الحضور الدولي الكبير على النفوذ المتنامي للصين. وفي حين كانت الألعاب الأولمبية عبارة عن عرض قدمته الصين إلى العالم، فإن المعرض عبارة عن أداء يقدمه العالم إلى الصين، حسبما يقول دا شان، مفوض كندا إلى المعرض. ويمكننا القول بصراحة إن البلدان والشركات من شتى أرجاء العالم لم تجرؤ على تجاهل القوة الناهضة والفظة أحياناً بعدم حضورها.
حين خاطرت الولايات المتحدة بعدم قدرتها على المشاركة (لأن القوانين الأمريكية تمنع واشنطن من إصدار الفاتورة)، قامت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالضغط على الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، وحصلت على 60 مليون دولار في غضون أشهر قليلة. ويثبت المعرض، ليس الثقة المتزايدة لشنغهاي والصين فحسب، وإنما كذلك حماس باقي بلدان العالم للبقاء إلى جانبها الجيد.
من أجل الاستعداد، كانت حكومة المدينة تعمل على الإصلاح الشامل لمواقف واتجاهات المواطنين كذلك – جزء مما تطلق عليه حملة ''التحول الحضاري الروحي''. وتم تقسيم نحو 170 ألف متطوع للمعرض إلى فرق للتعديل السلوكي: يراقبون محطات المترو، ويحثون الناس على الوقوف على اليمين من الأدراج الكهربائية، ويمنعون البصق، والقفز عن الدور، والتدافع والصراخ – جميع عادات شنغهاي الشائعة للغاية، ويعاقبون على التدخين في الأماكن العامة، حتى أنهم ينتقلون من بيت إلى بيت لحث المواطنين على عدم ارتداء ملابس النوم في العلن. وحارب البعض ذلك الأمر، وقالوا إنهم يريدون حرية اختيار ملابسهم الخاصة.
تتمحور فكرة المعرض حول ''مدينة أفضل، حياة أفضل''، وهناك بعض المنافع الواضحة فعلياً: أنجز المعرض تقنية خاصة بالمراحيض تطرد بواسطتها المراحيض الروائح من تحت مستوى الأنف. وعلى الأرجح أن هذا يشكل ادعاءً أفضل للشهرة من حبات الذرة المغلفة بالكراميل.
على الرغم من ذلك، بالنسبة لمدينة تهدف إلى ريادة العالم في التطور المدني المستدام، فإن الاستعداد للمعرض بالكاد أثبت مؤهلات شنغهاي في هذا الخصوص: تم هدم صفوف من البيوت التقليدية في استعجال غير مبالٍ نحو المستقبل من شأنه أن يخاطر بمحو تاريخها.
إن شين هانغفينغ، وهو فنان من شنغهاي، واحد من القلائل الذين لديهم استعداد لانتقاد المعرض. وقام أخيراً بعرض عمله الفني بعنوان ''مدينة الفقاعة، حياة الفقاعة''، وهو عبارة عن قفص يغلف جدولاً مستمراً من الفقاعات، مصممة جميعها تقريباً لكي تنهار وتنفجر على جدران قفصها من شبكة الأسلاك. ويقول هانغفينغ: ''إن المعرض أشبه بآلة الأحلام، إذ يولد جميع أنواع الأفكار المثالية المستقبلية التي لن يتم تحقيقها على الإطلاق''. وشكلت منحوتته جزءاً من معرض احتجاج حديث على معرض شنغهاي، وذلك في صالة غاليري أوف OV في شنغهاي، وعرض فيه كذلك صوراً لبيت يتم هدمه بينما كان مالكوه يعترضون على الهدم في المحكمة.
يقول مواطن أجنبي مقيم في شنغهاي منذ فترة طويلة: ''كانت الأموال تأخذ المدينة وتمزق روحها تدريجياً''. وبوجود متاجر التسوق الكبيرة العامة، ومقاهي ''ستاربوكس''، ومتاجر ''غوتشي''، فإن ''من الصعب إيجاد ما كان ممتعاً في شنغهاي في هذه الأيام''.
يتفق وو مع تو – ولكنهما يعتقدان أن بإمكان المعرض محاربة ذلك الاتجاه. وتعتبر نوعية البيوت المدنية من أكبر المشكلات الاجتماعية التي تواجهها الصين في أيامنا هذه، حسبما يقول الأستاذ تو. ويقولون إن المعرض سوف يكون عبارة عن ندوة مدتها ستة أشهر حول كيفية حل هذه المشكلات.
بعيداً عن نطاق الأشياء الجذابة للعين – نباتات الهندباء البرية المرتفعة في الهواء والمضاءة بأنوار النيون (الجناح البريطاني)، والديدان الحريرية الأرجوانية المتحولة (اليابان) – سوف يقدم المعرض أحدث التقنيات التي تساعد على جعل المدن قابلة للعيش. وهناك سيارات من ''جنرال موتورز'' في غاية الخفة والذكاء بحيث يمكنها أن تركن نفسها في خزانة المكانس لشقة ترتفع عالياً في المدينة – ومدن مؤتمتة بتقنيات شركة سيسكو Cisco، حيث من شأن حادثة تتعلق بمواد خطرة أن تطلق على الفور خططاً لتحويل الحافلات، وإغلاق المدارس والمصانع، وتنبيه الاختصاصيين في المستشفيات، وتبعد الأدخنة السامة.
تغير بعض الأجنجة شكلها وفقاً لتحركات – أو حتى مشاعر - الناس داخلها، وتعطي أجنحة أخرى الزوار ''آلات أحلام'' تحمل باليد حيث بإمكانهم حبك مستقبل جماعي أسطوري. ويعد جناح كوكاكولا ''بعيادة السعادة'' لأولئك الذين يغمرهم حضور 800 ألف كائن بشري آخر (العدد الأقصى من الحضور في اليوم الواحد).
باستضافتها للمعرض، فإن الصين تتحمل أخيراً عبء مسؤوليتها تجاه البيئة حسبما يقول وو، إذ يتكون الجناح السويسري من جدران فول الصويا، وتبقى درجة الحرارة في هانوفر هاوس Hanover House(ملحق إنجليزي للمنزل مخصص للضيوف) عند مستوى 25 درجة مئوية طوال العام دون استخدام أنظمة التدفئة والتبريد التقليدية، ويستخدم المعرض مياه النهر للتبريد، وتستوعب مواقف المعرض الحافلات الكهربائية فقط، وليس السيارات. وعلى الرغم من أنه يجب التخلص من كل جناح تقريباً لاحقاً بموجب قوانين المعرض، إلا أن بالإمكان إعادة تدويرها جميعها 100 في المائة، وفقاً لما يقول المنظمون.
تعتبر بعض المعارض وكأنها أحداث حاسمة في تاريخ مدينة أو بلد: ينسب الفضل إلى ''جنرال موتورز'' في معرض نيويورك لعام 1939 بسبب اختراعها لنظام الطريق السريع الضخم الذي غير أمريكا بأقل من 20 عاماً لاحقاً. وبغض النظر عما ينبثق عن هذا المعرض، سوف تستمتع شنغهاي بمزايا البنى التحتية التي تم تحسينها بشكل هائل إلى عقود مقبلة – بنى تحتية من شأنها أن تساعدها على تحقيق طموحها لتصبح مركزاً مالياً عالمياً بحلول عام 2020. على الأرجح أن تكون شنغهاي أحد تلك المعارض التي تعيش في ذاكرة أولئك الذين يزورونها إلى عقود زمنية مقبلة. ومقابل التكلفة التي بلغت 55 مليار دولار، من الأفضل أن تعيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق